img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

علاقته‭ ‬بوالده


في‭ ‬أحد‭ ‬الايام‭ ‬زار‭ ‬والد‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬لبنان،‭ ‬وكانت‭ ‬الزيارة‭ ‬الأولى‭ ‬له،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬اعتاد‭ ‬على‭ ‬الطقس‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬فتغير‭ ‬عليه‭ ‬حال‭ ‬الجو،‭ ‬ولم‭ ‬يلائم‭ ‬جسده‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التغير‭ ‬المفاجئ،‭ ‬فمرض‭ ‬مرضاً‭ ‬شديداً،‭ ‬فأخذه‭ ‬المهندس‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى،‭ ‬وفور‭ ‬سماعي‭ ‬بالخبر‭ ‬لحقت‭ ‬به،‭ ‬فوجدته‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الطوارئ،‭ ‬جالساً‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬والده‭ ‬في‭ ‬الانتظار،‭ ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬عليه‭ ‬التعب،‭ ‬فسألته‭:‬
‭ - ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬وأنت‭ ‬هنا؟‭ ‬
‭ - ‬منذ‭ ‬ساعتين‭. ‬
حين‭ ‬أخبرت‭ ‬الشباب‭ ‬عندنا‭ ‬لم‭ ‬يتحملوا‭ ‬هذا‭ ‬الخبر،‭ ‬اذ‭ ‬كيف‭ ‬يبقى‭ ‬المهندس‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬في‭ ‬الانتظار،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الطوارئ،‭ ‬فتركته‭ ‬لأذهب‭ ‬إلى‭ ‬أدارة‭ ‬المستشفى‭ ‬لأتكلم‭ ‬معهم،‭ ‬ولكنه‭ ‬حين‭ ‬علم‭ ‬بذلك‭ ‬أعترض‭ ‬بشدة،‭ ‬ورفض‭ ‬رفضاً‭ ‬قاطعاً،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬باستنكار‭: ‬
‭ - ‬لماذا‭ ‬تتكلم‭ ‬معهم‭... ‬هم‭ ‬يعملون‭ ‬بالأولويات‭.‬
بقي‭ ‬والد‭ ‬المهندس‭ ‬حتى‭ ‬الساعة‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬ليلاً،‭ ‬ولم‭ ‬يقبل‭ ‬مراجعة‭ ‬أحد،‭ ‬طبعا‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬والده‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مستشفى،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬حقه،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭. ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كسواه‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬يحق‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يحق‭ ‬لغيره‭ ‬من‭ ‬عامة‭ ‬الشعب‭. ‬
كانت‭ ‬معاملته‭ ‬لوالده‭ ‬مؤثرة‭ ‬جداً،‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬والاحترام‭ ‬الكثير،‭ ‬لقد‭ ‬ترك‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬أعماله،‭ ‬وكان‭ ‬يتابع‭ ‬باقي‭ ‬الأعمال‭ ‬على‭ ‬الهاتف،‭ ‬لم‭ ‬يغادر‭ ‬المستشفى‭ ‬للراحة‭ ‬والنوم‭ ‬ولو‭ ‬قليلاً‭. ‬
تذكرت‭ ‬حينها‭ ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬الحج،‭ ‬وحجزناه‭ ‬في‭ ‬الحمام‭ ‬لنحلق‭ ‬شعر‭ ‬أبيه،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يقبل‭ ‬الا‭ ‬أن‭ ‬يحلق‭ ‬رأس‭ ‬أبيه‭ ‬بنفسه‭. ‬
وقد‭ ‬عبر‭ ‬والده‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المقابلات‭ ‬الاعلامية،‭ ‬بعد‭ ‬استشهاد‭ ‬المهندس‭ ‬حسام،‭ ‬بكلام‭ ‬مؤثر‭ ‬حين‭ ‬قال‭:‬
‭ - ‬إن‭ ‬الشهادة‭ ‬ليست‭ ‬أمرا‭ ‬مستغربا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬يسعى‭ ‬إليها‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاما‭.. ‬فمن‭ ‬يسعى‭ ‬لغرضه‭ ‬طوال‭ ‬هذه‭ ‬المدة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يصل‭. .. ..‬أنا‭ ‬أشعر‭ ‬بالحزن‭ ‬على‭ ‬فقده،‭ ‬ولكني‭ ‬أفتخر‭ ‬بشهادته‭.‬