img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

خادم‭ ‬الحجيج


لن‭ ‬أنسى‭ ‬أبداً‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أراه‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬المميز،‭ ‬وما‭ ‬رأيته‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬كان‭ ‬كافياً‭ ‬وحده،‭ ‬ففي‭ ‬السفر‭ ‬يظهر‭ ‬الانسان‭ ‬على‭ ‬حقيقته،‭ ‬يجرده‭ ‬التعب‭ ‬والغربة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأقنعة،‭ ‬لتبدو‭ ‬صفاته‭ ‬واضحة‭ ‬جلية،‭ ‬وسفر‭ ‬الحج‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬الاسفار‭ ‬كشفاً‭ ‬لصفات‭ ‬المرء،‭ ‬أثناء‭ ‬قيامنا‭ ‬بمناسك‭ ‬الحج‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬السنوات‭ ‬تشرفت‭ ‬بأن‭ ‬أكون‭ ‬مع‭ ‬المهندس‭ ‬حسام،‭ ‬حيث‭ ‬ازدادت‭ ‬معرفتي‭ ‬واقترابي‭ ‬منه،‭ ‬وازداد‭ ‬حبي‭ ‬له،‭ ‬وتأثري‭ ‬به‭. ‬
لقد‭ ‬تأثر‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة،‭ ‬وأشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬تطوع‭ ‬ليكون‭ ‬بنفسه‭ ‬دليلنا‭ ‬للزيارات،‭ ‬والأعمال،‭ ‬والمناسك‭ ‬وكل‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحج،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬كثير‭ ‬الحج،‭ ‬وفي‭ ‬فقه‭ ‬الحج‭ ‬وكيفيته‭ ‬يعرف‭ ‬أدق‭ ‬التفاصيل‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬معرفته‭ ‬بالأدعية‭ ‬والزيارات،‭ ‬يقرؤها‭ ‬لنا‭ ‬بصوته‭ ‬الحنون،‭ ‬المؤثر،‭ ‬طريقة‭ ‬قراءته‭ ‬التي‭ ‬يتضاعف‭ ‬معها‭ ‬التوجه‭ ‬والروحانية‭.‬
في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لذهابنا‭ ‬للحرم‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ازدحام‭ ‬بشري‭ ‬كبير،‭ ‬وعندما‭ ‬راينا‭ ‬الازدحام‭ ‬هناك،‭ ‬ظننا‭ ‬لشدة‭ ‬هذا‭ ‬الازدحام‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نستطيع‭ ‬الدخول،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬جمعنا،‭ ‬وتوجه‭ ‬بنا‭ ‬نحو‭ ‬درج‭ ‬كهربائي،‭ ‬وصعدنا‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬إلى‭ ‬مصلى‭ ‬آخر،‭ ‬لإقامة‭ ‬الصلاة‭ ‬الواجبة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حل‭ ‬وقتها‭. ‬وأثناء‭ ‬صعودنا‭ ‬على‭ ‬الدرج‭ ‬الكهربائي،‭ ‬تعثر‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الدرجات‭ ‬برجل‭ ‬كان‭ ‬يهم‭ ‬بالنزول،‭ ‬وسقط‭ ‬على‭ ‬الدرج،‭ ‬وأصيبت‭ ‬ركبته‭ ‬حينها‭ ‬بضربة‭ ‬قوية،‭ ‬منعته‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬الوقوف،‭ ‬قمنا‭ ‬بالإسعافات‭ ‬الأولية‭ ‬مباشرة‭ ‬حاولنا‭ ‬أن‭ ‬نسيطر‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬تقريباً،‭ ‬ونقلناه‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬كان‭ ‬هناك،‭ ‬لينقله‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬اقرب‭ ‬مكان‭ ‬للعلاج،‭ ‬إلى‭ ‬مستوصف‭ ‬قريب،‭ ‬حيث‭ ‬قاموا‭ ‬بالعلاج‭ ‬اللازم،‭ ‬عالجه‭ ‬طبيب‭ ‬جراح،‭ ‬وأوصاه‭ ‬بالراحة‭ ‬التامة،‭ ‬تابعنا‭ ‬أخباره‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص،‭ ‬خفف‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قلقنا‭ ‬عليه،‭ ‬لأننا‭ ‬شاهدنا‭ ‬شدة‭ ‬اصابته،‭ ‬فتابعنا‭ ‬صلاتنا‭ ‬والعبادة،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬أصبح‭ ‬الوقت‭ ‬عصراً،‭ ‬خرجنا‭ ‬من‭ ‬الحرم‭ ‬الشريف،‭ ‬فتفاجأنا‭ ‬به‭ ‬أمامنا‭ ‬في‭ ‬الحرم‭ ‬ينتظر‭ ‬خروجنا،‭ ‬لكي‭ ‬يؤمن‭ ‬لنا‭ ‬الباص‭ ‬الذي‭ ‬سينقلنا،‭ ‬لقد‭ ‬تأثرنا‭ ‬كثيراً‭ ‬بهذا،‭ ‬فهو‭ ‬كان‭ ‬يقفز‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬واحدة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تأمين‭ ‬الحاجات‭ ‬وتسهيل‭ ‬أمور‭ ‬الحجاج،‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬لهم‭ ‬ان‭ ‬يعانوا‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬مشكلة،‭ ‬يسعى‭ ‬بقدمه‭ ‬المصابة‭ ‬ناسياً‭ ‬ألمه،‭ ‬ومشكلته‭ ‬هو‭.‬
يسألنا‭ ‬واحداً‭ ‬واحداً‭ ‬عن‭ ‬أوضاعنا،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬شيء،‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬الحج،‭ ‬وأثناء‭ ‬قيامنا‭ ‬بالجولات‭ ‬في‭ ‬مكة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليرضى‭ ‬أن‭ ‬يجلس‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬الباص‭ ‬حتى‭ ‬يطمئن‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬قد‭ ‬جلسوا،‭ ‬واتخذوا‭ ‬أماكنهم،‭ ‬يتأكد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ثم‭ ‬يجلس،‭ ‬وان‭ ‬جاء‭ ‬أحد‭ ‬الحجاج‭ ‬قام‭ ‬ليجلسه‭ ‬مكانه،‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يبقى‭ ‬واقفاً،‭ ‬ليفسح‭ ‬المجال‭ ‬لغيره‭ ‬بالجلوس‭.‬