img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

اليوم‭ ‬الاول


تعرفنا‭ ‬على‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬عندما‭ ‬جاءت‭ ‬الهيئة‭ ‬الايرانية‭ ‬إلى‭ ‬لبنان،‭ ‬حين‭ ‬أتى‭ ‬إلى‭ ‬بعلبك‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬لتحسين‭ ‬المساجد‭ ‬والطرقات،‭ ‬وبما‭ ‬أننا‭ ‬نعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تعهدات‭ ‬الطرقات،‭ ‬اتصلوا‭ ‬بنا‭ ‬واجتمعنا‭ ‬بهم،‭ ‬وبدأنا‭ ‬بالتعاون‭ ‬معهم‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الطرقات‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تعرفنا‭ ‬إلى‭ ‬الشهيد‭ ‬حسام،‭ ‬مدير‭ ‬الهيئة‭ ‬الذي‭ ‬سبقته‭ ‬شهرته‭ ‬إلينا‭.‬
وبدا‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬شخص‭ ‬مميز‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الفريدة‭ ‬تتكشف‭ ‬عن‭ ‬الجديد‭ ‬والمختلف‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬كنت‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬أمام‭ ‬شخص‭ ‬غير‭ ‬عادي،‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬الا‭ ‬أن‭ ‬تحبه،‭ ‬وتزداد‭ ‬له‭ ‬حباً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬لأنك‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تراه‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬الرجال،‭ ‬سيما‭ ‬المسؤولين‭ ‬منهم‭. ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬كيف‭ ‬يستطيع‭ ‬جمع‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الصفات‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬واحدة،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬تواضعه‭ ‬يسلك‭ ‬مسلك‭ ‬أبسط‭ ‬الناس،‭ ‬وفي‭ ‬ذكائه،‭ ‬وحس‭ ‬المسؤولية‭ ‬لديه،‭ ‬يفوق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عرفتهم‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭. ‬وبدا‭ ‬لي‭ ‬أنني‭ ‬أمام‭ ‬شخص‭ ‬فريد‭ ‬منذ‭ ‬يوم‭ ‬الافتتاح‭.‬
أول‭ ‬ما‭ ‬بدأنا‭ ‬العمل‭ ‬افتتحنا‭ ‬طريق‭ ‬بعلبك‭ ‬التوفيقية،‭ ‬وكان‭ ‬معنا‭ ‬وزير‭ ‬الأشغال‭ ‬محمد‭ ‬الصفدي،‭ ‬والشيخ‭ ‬محمد‭ ‬يزبك،‭ ‬صعدنا‭ ‬إلى‭ ‬الجرافة،‭ ‬وجلسنا‭ ‬فيها،‭ ‬وأصرّ‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬أن‭ ‬يقودها‭ ‬بنفسه،‭ ‬وصعد‭ ‬معنا‭ ‬أديب‭ ‬دحروج،‭ ‬وممثل‭ ‬عن‭ ‬مجلس‭ ‬الانماء‭ ‬والاعمار‭. ‬كان‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬يتقد‭ ‬نشاطاً‭ ‬وحيوية،‭ ‬وكان‭ ‬عنده‭ ‬حماسة،‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬أكثر‭ ‬منا‭ ‬مجتمعين،‭ ‬ما‭ ‬رأيته‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬أكد‭ ‬لي‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬الشك‭ ‬أنني‭ ‬أمام‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تحبه،‭ ‬وأن‭ ‬تنضوي‭ ‬تحت‭ ‬لوائه‭ ‬طوعاً‭ ‬غير‭ ‬كاره‭.‬
هذا‭ ‬الشخص‭ ‬الجاد‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬القوي‭ ‬والحاسم‭ ‬ضد‭ ‬الأخطاء‭ ‬والعيوب،‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬الرجل‭ ‬المؤمن‭ ‬الخاشع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يغادر‭ ‬الذكر‭ ‬لسانه،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬فترة‭ ‬صمت‭ ‬كنت‭ ‬أسمعه‭ ‬يهمس‭ ‬بالاستغفار‭ ‬والتسبيح،‭ ‬كنت‭ ‬أذهب‭ ‬معه‭ ‬أحيانا‭ ‬من‭ ‬بيروت‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب،‭ ‬ينطلق‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬جداً،‭ ‬ومنذ‭ ‬انطلاقة‭ ‬السيارة‭ ‬من‭ ‬بيروت‭ ‬وحتى‭ ‬وصولنا‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬صيدا،‭ ‬كان‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬الأدعية‭ ‬عبر‭ ‬تلفونه،‭ ‬ويرددها‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬ولا‭ ‬يتكلم‭ ‬بشيء‭ ‬مطلقاً،‭ ‬وعندما‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬صيدا‭ ‬تنتهي‭ ‬فترة‭ ‬تعبده،‭ ‬ويبدأ‭ ‬حينها‭ ‬بالكلام‭ ‬عن‭ ‬العمل‭. ‬
عادة‭ ‬كان‭ ‬يصوم‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬اثنين‭ ‬وخميس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أسبوع،‭ ‬وإن‭ ‬تأخر‭ ‬عن‭ ‬صلاة‭ ‬الصبح‭ ‬يوماً‭ ‬عاقب‭ ‬نفسه‭ ‬بالصوم،‭ ‬كان‭ ‬يهتم‭ ‬بموضوع‭ ‬الأكل‭ ‬للشباب‭ ‬والعاملين‭ ‬وهو‭ ‬صائم،‭ ‬يقرأ‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬تتاح‭ ‬له،‭ ‬خاشع،‭ ‬شديد‭ ‬التدين،‭ ‬ما‭ ‬أسهل‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬دموعه‭ ‬وهو‭ ‬غارق‭ ‬في‭ ‬دعائه‭. ‬