img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

اليوم‭ ‬الفريد


لن‭ ‬انسى‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬أبداً،‭ ‬فهو‭ ‬يوم‭ ‬فريد‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ،‭ ‬انه‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬بعدة‭ ‬ايام‭ ‬يوم‭ ‬التقدم‭ ‬لفاطمة‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭. ‬
كان‭ ‬عليّ‭ ‬ان‭ ‬ألتقيه‭ ‬لنتكلم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لنصل‭ ‬إلى‭ ‬اتّفاق‭ ‬أوَّلي‭ ‬قبل‭ ‬حضور‭ ‬عائلتي‭ ‬في‭ ‬اللقاء‭ ‬الرسمي،‭ ‬وذلك‭ ‬تلافياً‭ ‬لاي‭ ‬إحراج‭. ‬
في‭ ‬الليلة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬أصابني‭ ‬أرقٌ‭ ‬مريرٌ‭ ‬لشدة‭ ‬قلقي‭ ‬واضطرابي،‭ ‬لقد‭ ‬مضت‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬بصعوبة‭ ‬بالغة،‭ ‬وكأن‭ ‬فجرها‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬البزوغ،‭ ‬وأنا‭ ‬تتقاذفني‭ ‬الضغوط‭ ‬بكل‭ ‬اتّجاه،‭ ‬أفكّر‭ ‬بما‭ ‬سيدور‭ ‬بيننا،‭ ‬عن‭ ‬ماذا‭ ‬سيسألني؟‭ ‬وبم‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أجيبه؟‭ ‬أتقلّب‭ ‬في‭ ‬فراشي‭ ‬وأنا‭ ‬أسترجع‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة،‭ ‬وردود‭ ‬فعله‭ ‬المتوقعة‭ ‬على‭ ‬أجوبتي،‭ ‬ماذا‭ ‬سأقول‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬سألني‭ ‬عن‭ ‬إمكاناتي‭ ‬واستعدادي‭ ‬للزواج،‭ ‬وأنا‭ ‬شابّ‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬سيارةً‭ ‬ولا‭ ‬بيتاً‭ ‬ولا‭ ‬اي‭ ‬شيء؟‭ ‬
ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬موعدنا‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الارتباك‭ ‬والخوف،‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أستعيد‭ ‬هدوئي‭ ‬وصلابتي‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬الموقف‭ ‬صعباً‭ ‬دون‭ ‬شك،‭ ‬ولكني‭ ‬آليت‭ ‬على‭ ‬نفسي،‭ ‬واصطنعت‭ ‬هدوء‭ ‬اً‭ ‬غير‭ ‬موجود،‭ ‬وأنا‭ ‬أنتظر‭ ‬لقاءه‭. ‬لقد‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬ارتباكي‭ ‬حسن‭ ‬استقباله‭ ‬لي،‭ ‬وتلك‭ ‬الابتسامة‭ ‬الودودة‭ ‬التي‭ ‬علت‭ ‬مـُحياه،‭ ‬وصرت‭ ‬أتساءل‭: ‬هل‭ ‬سيبقى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬بما‭ ‬لدي؟
لكن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬شكل‭ ‬صدمةً‭ ‬لي،‭ ‬لقد‭ ‬انقلب‭ ‬وضعي‭ ‬النفسي‭ ‬تمام‭ ‬الانقلاب،‭ ‬ومع‭ ‬الدقائق‭ ‬الأولى‭ ‬لجلوسنا،‭ ‬لقد‭ ‬هدأ‭ ‬روعي‭ ‬بشكل‭ ‬عجيب‭ ‬حتى‭ ‬كدت‭ ‬أنسى‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬مقدم‭ ‬عليه،‭ ‬كيف‭ ‬استطاع‭ ‬ذلك،‭ ‬لست‭ ‬أدري،‭ ‬كأنه‭ ‬السحر،‭ ‬لقد‭ ‬أخذني‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭. ‬لحظات‭ ‬وتكسر‭ ‬ذاك‭ ‬الجدار‭ ‬السميك‭ ‬من‭ ‬القلق،‭ ‬وهو‭ ‬يبادر‭ ‬بالحديث‭ ‬إليّ،‭ ‬وبالمزاح‭ ‬اللطيف،‭ ‬وكأنه‭ ‬يعرفني‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل،‭ ‬ليس‭ ‬يعرفني‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬كأن‭ ‬مودةً‭ ‬قديمةَ‭ ‬العهدِ‭ ‬تربطنا،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬ساحراً‭ ‬وجميلاً‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬لا‭ ‬تصدَّق،‭ ‬أو‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتوقعها‭ ‬أبداً،‭ ‬هدأت‭ ‬نفسي،‭ ‬واستراحت‭ ‬أعصابي‭ ‬المتوترة‭.‬
طوال‭ ‬تلك‭ ‬الجلسة‭ ‬لم‭ ‬يسألني‭ ‬أي‭ ‬سؤالٍ‭ ‬عن‭ ‬أوضاعي‭ ‬المادية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أملك،‭ ‬أو‭ ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬زواجي‭ ‬من‭ ‬ابنته،‭ ‬وأين‭ ‬سأسكن‭ ‬وإياها؟‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬لأي‭ ‬سؤال‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة،‭ ‬بل‭ ‬ذهب‭ ‬بالحديث‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬مختلف‭ ‬تماماً،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬كل‭ ‬البعد،‭ ‬سألني‭ ‬أسئلة‭ ‬أخرى‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أتوقعها،‭ ‬أسئلة‭ ‬جعلتني‭ ‬أستفيض‭ ‬بالحديث‭ ‬سعيداً،‭ ‬سألني‭ ‬عن‭ ‬أفكاري،‭ ‬وتطلعاتي،‭ ‬عن‭ ‬رؤيتي‭ ‬لمستقبلي،‭ ‬عن‭ ‬طموحي،‭ ‬و‭ ‬برامجي،‭ ‬وكيف‭ ‬أفكر،‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬أريده‭ ‬للمستقبل،‭ ‬وإلى‭ ‬اين‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أصِل‭. ‬نصحني‭ ‬وشجعني،‭ ‬وحدثني‭ ‬حديثاً‭ ‬جميلا‭ ‬لم‭ ‬أسمع‭ ‬مثله‭. ‬
كان‭ ‬يوماً‭ ‬رائعاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬رائعاً‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭. ‬وفي‭ ‬ختام‭ ‬تلك‭ ‬الجلسة‭ ‬قال‭ ‬لي‭:‬
‭ - ‬سنصبح‭ ‬كالأب‭ ‬والابن،‭ ‬ربما‭ ‬يجمعنا‭ ‬النصيب،‭ ‬وربما‭ ‬لا،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الحالتين‭ ‬سأكون‭ ‬أنا‭ ‬في‭ ‬خدمتك‭ ‬دائماً،‭ ‬وإن‭ ‬احتجت‭ ‬لأي‭ ‬شيء،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬عمل،‭ ‬لا‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬طلبه‭ ‬مني‭.‬ لقد‭ ‬كان‭ ‬يوماً‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأيام،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الرجال،‭ ‬لقد‭ ‬علمت‭ ‬كم‭ ‬أنا‭ ‬محظوظ‭ ‬في‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه،‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬عنده‭ ‬ذاهلاً‭ ‬مسحوراً،‭ ‬سحرني‭ ‬بشخصيته‭ ‬الفذة،‭ ‬وحديثه‭ ‬الآسر،‭ ‬وثقافته‭ ‬العالية‭. ‬عطفه‭ ‬ورقته‭ ‬وطيبة‭ ‬قلبه،‭ ‬وأكثر‭ ‬شيء‭ ‬وضوحاً‭ ‬كان‭ ‬تواضعه‭. ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أبداً‭ ‬لأتوقع‭ ‬أن‭ ‬يعاملني‭ ‬بهذه‭ ‬الحميمية‭ ‬والألفة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬إلاّ‭ ‬بين‭ ‬شخصين‭ ‬تربطهما‭ ‬قرابة‭ ‬أو‭ ‬مودة‭ ‬قديمة‭ ‬جداً‭.‬