img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

حسام خوش نويس: لو كشفنا الأرقام لأثرنا فضيحة


بسام القنطار

مهندس إيراني يعمل 18 ساعة في اليوم منذ وصوله إلى لبنان مشرفاً على أعمال الهيئة الإيرانية للمساهمة في إعمار لبنان. عتب حسام خوش نويس على الحكومة التي تتجاهل إنجازات الهيئة، لا يخفف من اندفاعها للعمل ثلاث سنوات إضافية في لبنان يصعب إقناع المهندس حسام خوش نويس بإعطاء رقم مالي لحجم إنفاق الهيئة الإيرانية للمساهمة في إعمار لبنان منذ أن بدأت عملها مباشرةً بعد إعلان وقف الأعمال الحربية في 14 آب 2006.
ممثل رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمود أحمدي نجاد للمساهمة في عملية إعادة الإعمار، والمقيم في لبنان بشكل دائم مشرفاً على مروحة واسعة من المشاريع، لا يخجل بالرقم المدفوع، وهو بالتأكيد كبير جداً، لكن «ما نفع الرقم من دون روح. نحن نريد أن يعرف الشعب ماذا أُنجز إلى اليوم، ولكن صدقني إذا كشفنا الرقم المدفوع وتولت شركة تدقيق مستقلة إجراء عملية حسابية تعتمد على تقويم المواصفات التي تم من خلالها إنجاز المشاريع فسيُفتح نقاش لا ينتهي في لبنان عن الهدر الكبير الذي حصل في مختلف المشاريع المنفذة.
ما يهمنا هو أن يطمئن الشعب اللبناني إلى أننا راعينا تطبيق المواصفات الدولية الراقية، واستعنّا بالمهندسين المختصين والمستشارين والمخبريين، وراقبنا التنفيذ من جانب المتعهدين، وأشرفنا مباشرة على أعمالهم، وأجرينا اختبارات دورية للمشاريع المنفذة من أجل ضمان الجودة العالية في الأعمال الجارية».
الطرقات من 11 مشروعاً رئيسياً نفذتها أو تعمل الهيئة الإيرانية على تنفيذها، وهي خير مثال يعطيه خوش نويس ليشرح، بالتفصيل، فرادة ما أُنجز حتى الآن: 199 كلم قيد الإنجاز في 12 طريقاً رئيسياً أهمها أوتوستراد بعلبك ـ البزالية، 109 كلم في 12 طريقاً رئيسياً آخر قيد الدراسة، 165 كلم نفّذت في 587 طريقاً فرعياً وداخلياً، 61 كلم في 72 طريقاً قيد الإنجاز، و52 كلم في 33 طريقاً قيد الدراسة.
يتناول خوش نويس قلماً وورقة ويبدأ برسم مخطط تنفيذ الطرق: «في الشروط التي قرأتها من جانب البنك الدولي والبنك الإسلامي، والتي يجيزها مجلس الإنماء والإعمار، يضعون في الطريق 20 سنتيمتراً من البسكورس (وبين سنتيمترين وأربعة سنتيمترات اسفلت. نحن لم نقبل بهذه المواصفات، لأن كل طريق بحاجة إلى دراسة سماكة البسكورس والاسفلت المستخدم بناءً على كشوف مخبرية، ولهذه الغاية أنشأنا مختبراً مركزياً لفحص التربة.
اختبرنا عينات التربة عند كل 150 متراً من الطريق المنفذ، وللأسف عند الحفر لم نجد في الطرقات التي نفذت سابقاً إلا طبقات من الاسفلت المكدس، وهذا دليل على أن التنفيذ في السابق كان عبارة عن فلش الاسفلت من دون أن تكون هناك طبقة كافية من البسكورس التي تحميه». ويضيف: «أعلم أن هذا الأمر يثير فضيحة في لبنان، ولذلك كنا نسمع الناس يقولون إن بعض الطرقات يجري تعبيدها بالاسفلت كل عام لتخرب من جديد.
عندما نفذنا الطرقات وضعنا في بعض الأماكن 70 سنتيمتراً من البسكورس وخمسة سنتيمترات من الاسفلت، كما عمدنا الى استيراد مادة عازلة تسمى جيوتكستال من تركيا وإيران واليونان، ووضعناها في أسفل الطريق، وهذا إجراء لم يكن متّبعاً في لبنان. كما قمنا بتوسيع الطرقات بنحو يبقيها سليمة مهما كانت عوامل المناخ وطبيعة المركبات التي تسير عليها». ويردف خوش نويس: «الخرائط التي وضعها مجلس الإنماء والإعمار لطريق بعلبك ـ البزالية أشارت إلى قدرة استيعابية لمرور بين ثمانية ملايين وتسعة ملايين سيارة وشاحنة قبل أن تحتاج إلى صيانة من جديد، وكان قرارنا مضاعفة هذا الرقم لتصبح القدرة الاستيعابية للطريق 20 مليون سيارة وشاحنة، وهذا يستدعي رفع المواصفات الفنية على كل الأصعدة».
الجسور ولموضوع بناء الجسور قصة أخرى. فقد حصل خوش نويس على كلفة بناء كل الجسور التي أنشئت بين عامي 1998 و2006، وكانت المفارقة أن الجسور التي بنتها الهيئة كلفت ثلث قيمة كلفة الجسور القديمة! وبالعودة إلى الأرقام، هناك 10 جسور رئيسية حيوية بنتها الهيئة وأربعة قيد الإنجاز وستة قيد الدرس. 13 جسراً فرعياً وعبّارة أنجزت و77 قيد الإنجاز. سبب التكتم عن الكلفة بات أكثر وضوحاً الآن. إعطاء أرقام مالية يعني فضيحة وانكشافاً لحقيقة الهدر في لبنان، وتبياناً لواحد من أبرز أسباب تراكم 44 مليار دولار ديناً عاماً على الشعب اللبناني. يرفض خوش نويس الاتهامات التي وجهت إلى الهيئة بأنها تعمل بخلفية سياسية، مؤكداً أن «سياسة الجمهورية الإسلامية مبنية على احترام كل المعتقدات»، ومعرباً عن خيبة أمله من طريقة تعاطي الحكومة اللبنانية والرئيس فؤاد السنيورة شخصياً مع الهيئة الإيرانية.
ويقول: «لا أريد تحقيق نقاط سياسية وسأدافع عن حقوقي إذا تعرض لها أحد. الرئيس السنيورة لم يكن لطيفاً معنا وتجاهلنا. رصدنا غالبية تصريحاته منذ مطلع عام 2007 وكنا في حينها قد انتهينا من تنفيذ المشاريع التي تحتاج إلى مدى قصير في إنجازها وأرسلنا تقارير إلى دولته عبر الجهات المختصة، فإذا به يقول إن الهيئة الإيرانية لا تشاورنا! هذه إهانة لا نقبلها. كل ما قمنا به هو من ضمن اتفاقيات موقّعة مع مجلس الإنماء والإعمار ومجلس الجنوب ووزارتي الصحة والتعليم والبلديات المعنية وبعض المراسيم التنفيذية وقعها هو شخصياً».
ويوضح: «عندما قال (السنيورة) إن الهيئة تحقق في ترميم 60 مدرسة، كنا عملياً قد أنجزنا ترميم 102 مدرستين (140 مدرسة أنجزت إلى الآن و10 قيد الإنجاز و7 قيد الدرس). حتى وزير التربية خالد قباني تهرب من حضور افتتاح مدارس جرى ترميمها. وعلى رغم أنه وافق، بدايةً، على الحضور، عاد وتذرّع بأنه لم يفتتح أي مدرسة لأي جهة ولا يريد أن يكسر القاعدة. أما الرئيس السنيورة، فرغم تأكيد تمثيله في الاحتفالات عبر وعد قطعه لسفيرنا، عاد وتراجع متذرعاً بأن الاحتفالات تخص مدارس خاصة ولم تجر العادة أن يُنتدب ممثل عن رئيس الحكومة في احتفالات لمدارس خاص.
طريقة التعامل هذه تذكرني بمثل إيراني معروف يقول: إذا كان أحد ما نائماً فعندما توقظه يستيقظ. أما إذا كان متناوماً فمهما فعلت لإيقاظه فإنه، بطبيعة الحال، لن يستيقظ». يجاهر خويش نويس بأن رؤية الهيئة الإيرانية للعمل في لبنان «تعتمد على استراتيجية طويلة الأمد»، ولذلك مُدّد عمل الهيئة ثلاث سنوات إضافية، «وهي حالياً تعمل على توسيع قاعدة علمها الإنمائي وتتلقى مئات الطلبات من البلديات لتنفيذ مشاريع إنمائية»، مؤكداً «أننا لن نتوانى عن تنفيذ أي مشروع جديد، والتدخل لإنقاذ مشروع متعثر، ونحن نتعاطى مع الشعب اللبناني باعتباره شعباً مقاوماً ومضحياً، ومن الخطأ التعاطي معه على طريقة الاستجداء والتزلف.
هذا الشعب تعرض للظلم طوال السنوات الماضية بسبب قلة العدالة في هذا العالم وهمجية العدوان الصهيوني». الحديث مع خوش نويس لا بد أن يلامس السياسة، لدى سؤاله عما إذا كانت هناك خشية من استمرار أعمال الهيئة مع بوادر التوتر التي تلوح في الأفق بقدوم البوارج الأميركية الى قبالة السواحل اللبنانية، يعلق المهندس الإيراني بالقول: «لبنان ليس شجرة ضعيفة تنكسر عند أول نسمة».

جريدة الأخبار
محليات
العدد ٤٦٩ الخميس ٦ آذار ٢٠٠٨
تحقيق