img

وَجَاءَ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَقْصَىَ‭ ‬المَدِيْنَةِ‭ ‬رَجُلٌ‭ ‬يَسْعَىَ

لتحميل الكتاب

المهندس‭ ‬حسام‭ ‬خوش‭ ‬نويس‭.‬ شهيد‭ ‬اعمار‭ ‬وحب‭ ‬لبنان‭ ‬ومقاومته‭.‬

img

ونحن‭ ‬نستخلص‭ ‬دروس‭ ‬وعبر‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬الفذّة‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬الشهيد‭ ‬المهندس‭ ‬حسام‭ ‬خوش‭ ‬نويس‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬كان‭ ‬لزاماً‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬سيرته‭ ‬ولو‭ ‬قليلاً،‭ ‬لنرى‭ ‬كيف‭ ‬لبست‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الفذّة‭ ‬فرادتها‭ ‬وتميّزها‭.‬ حين‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬طفولته‭ ‬الأولى‭ ‬وجدنا‭ ‬هذه‭ ‬الميزة‭ ‬واضحة،‭ ‬فقد‭ ‬حدّثنا‭ ‬أحد‭ ‬أترابه‭ ‬ممن‭ ‬عاصره‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬ليؤكد‭ ‬كلَّ‭ ‬ما‭ ‬سمعناه‭ ‬ويقول‭: ‬ ‭ - ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬لأنسى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬فهي‭ ‬أجمل‭ ‬سنوات‭ ‬العمر،‭ ‬كنا‭ ‬متقاربي‭ ‬الأعمار،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬أكبرنا،‭ ‬كنا‭ ‬نلعب‭ ‬معاً،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أجمل‭ ‬أوقات‭ ‬ذلك‭ ‬العمر‭ ‬هي‭ ‬الأوقات‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نقضيها‭ ‬باللهو‭ ‬واللعب،‭ ‬شأننا‭ ‬شأن‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬أعمارنا‭. ‬وما‭ ‬أذكره‭ ‬بوضوح‭ ‬هو‭ ‬تعلّقنا‭ ‬به،‭ ‬نحب‭ ‬كثيراً‭ ‬صحبته،‭ ‬وحين‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬يسأل‭ ‬عنه‭ ‬الجميع،‭ ‬ونصاب‭ ‬بالخيبة‭ ‬لعدم‭ ‬تواجده‭ ‬معنا،‭ ‬ربما‭ ‬لقدرته‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الصّحبة،‭ ‬وتوزيعه‭ ‬للأدوار‭. ‬أو‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬سبباً‭ ‬أهم،‭ ‬هو‭ ‬أخلاقه،‭ ‬فحتى‭ ‬اللعب،‭ ‬وصحبة‭ ‬الطفولة‭ ‬يحتاجان‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الاخلاق،‭ ‬كان‭ ‬رفيقاً‭ ‬سهلاً‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬ما‭ ‬أسهل‭ ‬عنده‭ ‬ان‭ ‬يعطيني‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬اللعب‭ ‬دون‭ ‬تأفف‭ ‬أو‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬حقه،‭ ‬كان‭ ‬ينتظرني‭ ‬إن‭ ‬تأخرت،‭ ‬ويساعدني‭ ‬إن‭ ‬احتجت‭ ‬اليه‭. ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رفيقك‭ ‬شخصاً‭ ‬سهلاً،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الأنانية،‭ ‬يتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقه،‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬ليكون‭ ‬اللعب‭ ‬ممتعاً‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬المنغصات‭. ‬ كما‭ ‬أنّ‭ ‬صحبته‭ ‬كانت‭ ‬ضرورية‭ ‬لدوافع‭ ‬أخرى،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العمر‭ ‬كان‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬المشكلات،‭ ‬مشكلات‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬نحن‭ ‬الصغار‭ ‬كانت‭ ‬عويصة‭ ‬ومعقدة،‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬تُحلُّ‭ ‬في‭ ‬وجوده‭ ‬لتظهر‭ ‬بوضوح‭ ‬فطنته‭ ‬وسرعة‭ ‬بديهته‭. ‬ ونحن‭ ‬صغار‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نحلّل‭ ‬الأسباب‭ ‬والنتائج،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نعرفه‭ ‬أننا‭ ‬نحبّ‭ ‬صحبته،‭ ‬وأنّ‭ ‬في‭ ‬غيابه‭ ‬تقل‭ ‬المتعة‭ ‬وتكثر‭ ‬المشاكل،‭ ‬نفتقده‭ ‬إن‭ ‬غاب‭ ‬ونشعر‭ ‬بفراغ‭ ‬وجوده‭ ‬بيننا،‭ ‬نحاول‭ ‬تقليده‭ ‬أو‭ ‬الحلول‭ ‬محلّه‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭. ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬ميزة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بيننا،‭ ‬وما‭ ‬أذكره‭ ‬بوضوح‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬المقولة‭ ‬التي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نرددها‭ ‬في‭ ‬غيابه‭:‬ ‭ - ‬ليته‭ ‬معنا‭. ‬لو‭ ‬كان‭ ‬معنا‭ ‬لكنا‭ ‬فعلنا‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭.."‬ ثم‭ ‬سمعنا‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬هذه‭ ‬النظرية،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬طفولة‭ ‬هذا‭ ‬الكبير‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬نكهة‭ ‬خاصة،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬حدثنا‭ ‬به‭ ‬شقيقه‭ ‬حيث‭ ‬قال‭:‬ ‭"‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يشاركنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أوقات‭ ‬لهونا،‭ ‬وكنا‭ ‬نحب‭ ‬صحبته،‭ ‬وحين‭ ‬يرفض‭ ‬ذلك‭ ‬كنت‭ ‬ألجأ‭ ‬أحياناً‭ ‬للتوسل،‭ ‬ولأنه‭ ‬طيب‭ ‬القلب،‭ ‬كان‭ ‬يرضخ‭ ‬رغبة‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬إسعادي‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬اللعب‭. ‬يضحك‭ ‬حين‭ ‬يرى‭ ‬سعادتي‭ ‬بموافقته،‭ ‬كنت‭ ‬أحياناً‭ ‬أتركه‭ ‬وشأنه‭ ‬حين‭ ‬يرفض،‭ ‬احتراماً‭ ‬له،‭ ‬وأحياناً‭ ‬أخرى‭ ‬كان‭ ‬يحرضني‭ ‬بأسلوبه‭ ‬الفريد‭ ‬للقيام‭ ‬بعمل‭ ‬أكثر‭ ‬فائدة،‭ ‬ويقول‭ ‬لي‭:‬ ‭ - ‬تعال‭ ‬لنسقي‭ ‬الزرع‭ ‬أولاً‭ ‬ثم‭ ‬نلعب‭.. ‬انظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الزهور‭ ‬العطشى‭...‬ وأغرقُ‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬المزروعات،‭ ‬وأنسى‭ ‬اللعب‭. ‬أو‭ ‬يقول‭ ‬لي‭:‬ ‭ - ‬انظر‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الدار،‭ ‬كم‭ ‬هي‭ ‬مهملة‭.. ‬ساعدني‭ ‬لدقائق‭ ‬ثم‭ ‬نذهب‭ ‬للعب‭.‬ ويستغرق‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دقائق‭ ‬بكثير‭.. ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬معه‭ ‬سعيداً‭ ‬فهو‭ ‬يستطيع‭ ‬جعل‭ ‬العمل‭ ‬ممتعاً،‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬كيف؟‭ ‬ولكنه‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬يشبه‭ ‬اللهو،‭ ‬فإذا‭ ‬بي‭ ‬أنسى‭ ‬ما‭ ‬وعدني‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬اللعب‭. ‬ كان‭ ‬يدرس‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ندرس‭ ‬نحن،‭ ‬أو‭ ‬مما‭ ‬يدرس‭ ‬كلُّ‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يقاربه‭ ‬في‭ ‬السن،‭ ‬كنت‭ ‬أراه‭ ‬يدرس‭ ‬بحماس،‭ ‬وإذا‭ ‬طلبته‭ ‬للعب‭ ‬قال‭ ‬لي‭:‬ ‭ - ‬أنت‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬لأخيك‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬كسولاً‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬أليس‭ ‬كذلك؟ وفي‭ ‬معرض‭ ‬البداية‭ ‬أيضاً‭ ‬استمعنا‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬أفراد‭ ‬عائلته،‭ ‬لتكون‭ ‬الصورة‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬قبل‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬مدرسته‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬